الخليفة الشيخ سيّدي العيد الثاني رضي الله عنه
ولد الشيخ سيّدي العيد الثاني بن سيدي البشير عام 1892م رضي الله عنهما ، وتربى في أحضان جدّه سيّدي محمّد حمّه وحفظ القرآن الكريم على يد المعلم أحمد بن "الساء" القماري, وزاول العلوم على يد الشيخ مبارك المازق وبعثه جدّه إلى توزر وتمّم هناك تعليمه من فقه ولغة وحساب وكان ذكي الفؤاد، فطنا، كريما، يحبّ الاقتصاد في كل الأمور ويحب النظام في كل شيء, رباه والده وتمّم له دروسه الروحية وأهّله للمراتب العالية وأطلق له وجعله خليفة من بعده, وكان اجتماعيا يسعى في إصلاح ذات البين بنفسه, ويحث الناس على اليقظة, ويقول أن الوقت قد تغير بعد انتهاء الحرب العالمية الأولى, وكان كثير الإطلاع والمطالعة في المجلات والجرائد التونسية والمصرية, وكان متابعا لحركة زعماء الإصلاح في المشرق, وكانت أيّام الشيخ سيّدي العيد الثاني أيّام نهضة علمية, وله مجالس ثقافية ليلية تتناول محاورات أدبية ومحاضرات في شتى المواضيع يحضرها العلماء والأدباء منهم الشيخ اللقاني والشيخ الطاهر بن عمّار والشيخ محمّد بن جديدي والشيخ حقي السائح وسيدي الكبير وسيدي علي بن العيد وبعض من لهم ثقافة من أبناء الأسرة, وكثيرا ما يحضر في وقت الشتاء الأديب الناقد الطاهر لونيسي بن الشيخ حمدان.
وجدد مناهج التعليم بمدرسة الزاوية وانتدب لهذا الدور العلامة الشيخ اللقاني بن السائح بأن جعلها مدرسة عصرية ونظام منسجم حيث درّس فيها الفقه والأصول واللغة من نحو وصرف ومنطق وبلاغة والحساب والجغرافيا والأدب والمناظرات, وكان الشيخ سيّدي العيد الثاني يحب التقرب من أهل الثقافة كيف ما كان مشربهم, وكان كثيرا ما يجالس رجال العلم والثقافة الإباضيين.
وهذه الدعوة إلى اليقظة والحركة الفكرية التي كان يديرها قد أثارت عليه غضب سلطات الاحتلال وسببت له العديد من المضايقات والمتاعب, إلا انه كان لا يعبأ بهم, وكانت الحكومة الاستعمارية تترصد حركاته, حتى إذا سافر إلى تونس تبعث في إثره جواسيس ليطلعوا على مجالسه, وكان يحب النجباء ويحثهم على التعليم, ومن الذين حرص على تثقيفهم الشيخ محمّد العيد آل خليفة حيث ألزم والده ببعثه إلى تونس, وهذا بدوره أعطى المقام حقه وقد رثاه حين وافاه الأجل ببسكرة.
نظم شؤون الزاوية تنظيما إداريا لم يسبق له نظير، ضابطا لمداخلها ومخارجها، واقفا على حقوق الضعفاء الذين تحت يده, وقد ترجم له صاحب "نهضة الجزائر الحديثة وثورتها المباركة" (محمد علي دبوز) عند ذكره الزاوية في شرق الجزائر وجنوبها.
ومن تلاميذه الذين تخرجوا على يديه الشيخ سيدي أحمد التجاني التماسيني الذي لعب أدوارا عظيمة في مسيرة ثورة التحرير.
توفي رحمه الله يوم الثلاثاء 27 أكتوبر1927م بمدينة بسكرة بعد مرض ألزمه الفراش وعلاج في قسنطينة, ودفن بتماسين رحمه الله ورضي عنه.
من كتاب "دليلُ الحَـائِر" إلى صور ومواقف من جهاد التجانيين في الجزائر لـ ديدي السعيد