مواقف نضالية لعلماء الطريقة التجانية
بعد توقف حركات المقاومة الباسلة نتيجة للعديد من العوامل لسنا الآن بصدد بحثها, تواصل النضال بالوسائل السلمية, ومن ذلك نضال علماء وأعلام الطريقة التجانية, فهناك العديد من الشخصيات الوطنية التي ساهمت بشكل فعال في الحركة الوطنية، وقدمت الكثير من المواقف والجهود, خدمة للقصية الوطنية في المجالات التربوية والثقافية والتعليمية والإعلامية والسياسية إلى أن تهيأت الأجواء لقيام الثورة المباركة، ونذكر من تلك الشخصيات التجانية:
- لعلامة حمدان لونيسي مقدم الطريقة التجانية بقسنطينة: فقد كان المدافع عن كتاب الله تعالى وعن سنة رسوله صلى الله عليه وسلم في خطبه ومواعظه ودروسه العديدة في بقاع شتى, كما تصدى للمبشرين والملاحدة وحارب البدع والضلالات التي شوهت صورة الإسلام غداة الإستعمار الفرنسي للبلاد. ورغم حساسية المنصب الذي كان يتولاه إلا انه كان من الموقعين على العريضة التي تضمنت مظالم أهل البلاد على السلطات الفرنسية سنة 1891م.
ومن تلامذته: سيدي محمود بن المطماطية, والبشير الإبراهيمي, وعبد الحميد بن باديس, والطيب العقبي, والعلامة المصلح الشيخ السعيد بهلول الورتلاني..وغيرهم كثيرممن تأثروا بآرائه الاصلاحية, ومواقفه الوطنية.
ومما اشتهر عنه تاثير بعيد المدى في تلميذه عبد الحميد بن باديس ظل يذكره طوال حياته والذي اوصاه (ان يقرا العلم للعلم لا للوظيف ولا للرغيف). وقد نفذ ابن باديس وصية استاذه تنفيذا كاملا.
وبعد أن منع الشيخ عبد الحميد من تدريس الحديث لأن شهادة التطويع لا تخول له ذلك, طلب من شيخه منحه إجازة خاصة بالحديث وهذا عند زيارته للمدينة المنورة, ولأن الاستاذ لا يريد أن يقال أنه أعطاه الإجازة محباة فترفض, بعثه للجامع الأزهر وحمّله رسالة خطية لمفتي الديار المصرية الشيخ "محمد بخيث المطيعي" يزكيه فيها ويطلب منه اسعافه بإجازة في الحديث فأحسن الشيخ بخيت استقباله، ودعاه إلى زيارته في منزله بحلوان القريبة من القاهرة ثم أعطاه الإجازة.
ـ العلامة المقدم عبد الحليم بن سماية الجزائري: الذي يعتبر في مقدمة العلماء الذين أسسوا النهضة الجزائرية الحديثة، ومن أوائل المصلحين الجزائريين.
ومما اشتهر به وقوفه ضد تجنيد الجزائريين في الجيش الفرنسي وإصداره الفتوى المعروفة في ذلك مما أغضب سلطات الاحتلال, وأدت إلى فصله من عمله.
استقبل الإمام محمد عبده عند زيارته للجزائر، كان من مناضلي الجامعة الإسلامية (الوحدة تحت راية الخلافة الإسلامية)، كما يعدّ من أوسع علماء عصره علمًا وثقافة, فقد تخرّج على يديه جيل من المثقفين مزدوجي الثقافة, له مؤلفات قيمة من أبرزها كتابه اهتزاز الأطواد, والربى في التحذير من تحليل الربا، ورسالة في التوحيد، والرد على شبه المبطلين والملحدين، وكتاب فلسفة الإسلام الذي قدمه إلى مؤتمر المستشرقين بالجزائر (1905) وقرأ الفصل الأول منه على الحضور، غير أن حكومة الاحتلال رفضت طبعه ضمن أعمال المؤتمر.
ـ عميد الصحافة الجزائرية المقدم عمر بن قدور الجزائري صحفي وشاعر من أبرز المناضلين الجزائريين قلماً وفكراً وعملاً. تعلم بالجزائر وتونس ومصر وكانت له مشاركات واسعة في عدد من الصحف التي صدرت بالأستانة وتونس ومصر. تعرض للنفي والسجن والاضطهاد بسبب آرائه الإصلاحية.
كان صحفياً متحمساً, ومهتماً بقضايا الأمة العربية والإسلامية, وكان يحاول إيصال صوت الجزائر إلى المسلمين في كل مكان, وهذا بالطبع أزعج السلطات الفرنسية, حيث دعاه الوالي العام الفرنسي آنذاك ليبلغه استياء السلطات الإستعمارية من مقالاته, وخصوصاً تلك التي كان ينشرها في الصحف المصرية, وأمره أن يكف عن مراسلة صحيفة اللواء, لأن مقالاته فيها كانت تزعج السلطات الإستعمارية.
ولما اشتد الحصار عليه من السلطات الفرنسية قرر عمر بن قدور أن يصدر صحيفة تعبّر عن فكره ونهجه الإسلامي الإصلاحي ويكون هو مالكها, ويصدرها من الجزائر نفسها, فأصدر صحيفته الهامة الفاروق, والتي اعتبرها بعض الباحثين بداية الصحافة العربية الوطنية في الجزائر, وبداية الصحافة الإسلامية فيها أيضاً, فكما جاء في افتتاحية عددها الأول أنها جاءت لتسد ثلمة عدم وجود جريدة إسلامية بكل معاني الكلمة في القطر الجزائري, وبالفعل, كانت هذه الصحيفة داعية للإسلام, وعاملة على نهوض أقطاره, وكانت تحمل شعاره:
قلمي لسان ثلاثة بفؤادي: ديني .. ووجداني .. وحب بلادي.
له مؤلفات في الدفاع عن الطريقة منها: "الإبداء والإعادة في مسلك طريق السعادة" و"سائق السعادة" .
ـ شاعر الجزائر الشيخ محمد العيد آل خليفة: هذا المجاهد أطلق عليه الشيخ عبد الحميد بن باديس لقب: ''أمير شعراء الجزائر'' والشيخ البشير الإبراهيمي الذي قال: "رافق شعره النهضة الجزائرية في جميع مراحلها, وله في كل نواحيها, وفي كل طور من أطوارها، وفي كل أثر من آثارها القصائد الغر والمقاطع الخالدة، شعره لو جمع سجل صادق لهذه النهضة وعرض رائع لأطوارها", وهو يعتبر احد ابرز العلماء والمدرسين والشعراء الجزائريين الذين كافحوا الإحتلال, وخدموا دينهم وأمتهم ووطنهم, شارك في حركة الإصلاح الديني عن طريق التعليم والنشر في الصحف و المجلات, دعي إلى العاصمة للتعليم بمدرسة الشبيبة الإسلامية الحرة حيث بقي مدرسا بها ومديرا لها مدة اثني عشر عاما وفي هذه الفترة أسهم في تأسيس جمعية العلماء وكان من أعضائها العاملين, ونشر كثيرا من قصائده في صحف الوطنية, وبعد نشوب الحرب العالمية الثانية غادر العاصمة إلى مدينة بسكرة ومنها إلى مدينة باتنة للإشراف على مدرسة التربية والتعليم ثم انتقل إلى مدينة عين مليلة للإشراف على الإدارة والتدريس بمدرسة العرفان الإسلامية, وبعد اندلاع الثورة التحريرية المباركة أغلقت المدرسة وألقي القبض عليه وزج به في السجن وخضع للتعذيب ثم فرضت عليه الإقامة الجبرية في مدينة بسكرة فلبث معزولا عن المجتمع تحت رقابة مشددة إلى أن فرج الله عليه وعلى الشعب الجزائري بالتحرر والاستقلال.والسلام.